فُيعطي مثله يقظةً بعينه، وهذا الضرب من الرؤيا لا إغراق في تأويلها ولا رمز في تعبيرها.
ثانيهما: ما يراه في المنامات المرموزة البعيدة المرام في التأويل، وهذا الضرب لا يعسر تأويله إلا لحاذق في التعبير؛ لبعد ضرب المثل فيه، فيمكن أن يكون هذا من السبعين جزءًا والأول من الأجزاء، وهذا قد سلف؛ لأنه إذا قلت الأجزاء كانت الرؤيا أقرب إلى النبأ الصادق وآمن من وقوع الغلط في تأويلها، وإذا كثرت الأجزاء بعدت بمقدار ذلك وخفي تأويلها.
ولما عرضته على جماعة فحسنوه وزادني فيه بعضهم بأن قال: الدليل على صحته أن النبوة على مثل هذِه الصفة تلقاها الشارع عن جبريل، فقد أخبرنا أنه كان يأتيه مرة بالوحي فيكلمه بكلام فيعيه بغير مؤنة ولا مشقة، ومرة يلقي إليه جملا جوامع ويشتد عليه فكها وتبيينها حتى تأخذه الرحضاء ويتحدر منه العرق كالجمان، ثم يعينه الله على تبيين ما ألقي إليه من الوحي، فلما كان تلقيه للنبوة المعصومة بهذِه الصفة كان تلقي المؤمن للرؤيا من عند الملك الآتي بها من أم الكتاب بهذِه الصفة.
وفيه تأويل آخر ذكره أبو سعيد السفاقسي عن بعض أهل العلم، قال: معنى السبعين: أن الله أوحى إلى نبيه في الرؤيا ستة أشهر، ثم بعد ذلك أوحى إليه بإعلام باقي عمره، وكان عمره في النبوة ثلاثة وعشرين عامًا، فيما رواه عكرمة وعمرو بن دينار عن ابن عباس، فإذا نسبنا ستة أشهر من ثلاثة وعشرين (عامًا)(١) وجدنا ذلك جزءاً من ستة