فوصفهم بالجور والباطل والخلاف لسنته؛ لأنهم لا يكونون دعاة على أبواب جهنم إلا وهم على ضلال، ولم يقل: فيهم من تعرف منهم وتنكر، كما قال في الأولين، وأمر مع ذلك بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ولم يأمر بتفريق كلمتهم وشق عصاهم.
فصل:
اختلف أهل العلم في معنى أمره - عليه السلام - بلزوم الجماعة، ونهيه عن الفرقة، وصفة الجماعة التي أمر بلزومها -كما حكاه الطبري- فقال بعضهم: هو أمر إيجاب، والجماعة هي السواد الأعظم، وقالوا: كل ما كان عليه السواد الأعظم من أهل الإسلام من أمر دينهم، فهو الحق الواجب، والفرض الثابت الذي لا يجوز لأحد من المسلمين خلافه، وسواء خالفهم في حكم من الأحكام، أو في إمامهم القيم بأمورهم وسلطانهم فهو مخالف للحق؛ ذكر من ذلك: روى ابن سيرين قال: لما قتل عثمان - رضي الله عنه - أتيت أبا مسعود الأنصاري، فسألته عن الفتنة فقال: عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على ضلالة، والجماعة حبل الله، وإن الذي تكرهون من الجماعة خير من الذي تحبون من الفرقة (١). واحتجوا برواية ابن ماجه من حديث أنس مرفوعًا:"إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة". ومن حديث راشد بن سعد، عن عوف بن
(١) لم أقف على هذا الأثر عن أبي مسعود الأنصاري، وقد روي عن ابن مسعود، رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٣٨٠ (٧٥٧٧)، والآجرى في "الشريعة" (١٤)، والحاكم في "المستدرك" ٤/ ٥٥٥، كلهم عن ثابت بن قطبة، عنه.