ولذلك قال:"يأبى الله ويدفع المؤمنون". ومن أبين الدليل في استخلاف أبي بكر قول المرأة: إن لم أجدك إلى من ألجأ بالحكم؟ فقال - عليه السلام -: "أئت أبا بكر".
ولم يكن للبشر من علم الغيب ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فرأى أن الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين، وإن لم يوقف الأمر على رجل بعينه؛ لكن جعله لمعيَّنيِن لا يخرج عنهم إلى سواهم، فكان نوعًا من أنواع الاستخلاف والعقد، وإنما فعل هذا عمر - رضي الله عنه -، وتوسط حاله بين حالتين خشية الفتنة بعده، كما خشيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت قول الأنصار ما قالوا، فلذلك جعل عمر - رضي الله عنه - الأمر معقودًا موقوفًا على الستة؛ لئلا يترك الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ترك الأمر إلى شورى مع ما قام من الدليل على فضل الصديق فأخذ من فعل أبي بكر طرفًا آخر وهو العقد لأحد الستة ليجمع لنفسه فضل السنتين ولم يترك الترك الكلي، ولم يعين التعيين الكلي، وجعلها شورى بين من شهد له بالجنة، وأبقى النظر للمسلمين في تعيين من اتفق أمرهم عليه ممن جعل الشورى فيهم.
وأما قول عمر - رضي الله عنه - حين أثنوا عليه:(راغب واهب وددت أني نجوت منها كفافًا) فيحتمل معنيين: أحدهما: راغب بثنائه في حسن رأي وتقرر له، وراهب من إظهار مابنفسه من كراهية، وئانيتهما: راغب يعني: أن الناس في هذا الأمر راغب فيه -يعني في الخلافة، وراهب منها، فإن وليت الراغب فيها خشيت أن لا يعان عليها للحديث (١)، وإن
(١) لعله يقصد الحديث السالف برقم (٦٦٢٢) كتاب: الأيمان والنذور، الذي فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها … ".