خضرة السماء وعلمها أدخل في صفات الكمال ممن انفرد بإحدي هاتين الصفتين، وإذا استحال كون أحدنا ممن لا أمره أكمل صفة من خالقه، وجب كونه سميعًا بصيرًا مفيدًا أمرًا زائدًا على ما يفيد كونه عليمًا. ثم نرجع إلى ما تضمنه كونه سميعًا بصيرًا.
فنقول: هما متضمنان لسمع وبصر لهما كان سميعًا وبصيرًا، كما تضمنه كونه عالمًا علمًا لأجله كان عالمًا، كما أنه لا خلاف بين إثباته عالمًا وبين إثباته ذا علم، وأن من نفي أحد الأمرين كمن نفى الآخر، وهذا مذهب أهل السنة والحق.
وقال ابن التين: قوله: (سميعًا) يحتمل أن يكون أراد به يسمع الأصوات لغير حاجة، ويريد أنه يقبل بفضله ما يشاء من أعمال عباده، قال: وبصير قد يكون بمعنى: عالم (١)، دليله قوله تعالى:{بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[غافر: ٤٤] ويحتمل أن يكون بمعنى مدرك ورأى بإدراك يزيد على العلم ولم يزل بصيرًا بمعنى: رأى ومدرك؛ لأنه يرى نفسه وصفات ذاته، ولم يزل سامعًا كلامه ونفسه وصفات ذاته.
فصل:
ومعنى قول عائشة - رضي الله عنها -: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات): أدرك سمعه الأصوات لا أنه يسمع سمعه لها؛ لأن الموصوف بالسعة يصح وصفه بالضيق بدلاً منه، والوصفان جميعًا من صفات الأجسام، وإذا استحال وصفه بما يؤدي إلى القول بكونه تعالى جسمًا وجب صرف قولها عن ظاهره إلى ما اقتضاه صحة الدليل، ولا يغالطه سمع عن سمع ولو ناداه الخلق جميعًا معًا سمع
(١) الصواب إثبات صفات اللهَ -سبحانه وتعالى- كما جاءت النصوص، انظر ص ١٨٥ - ١٨٨.