للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن بطال: ويوضحه قوله - عليه السلام - في صفة الخوارج "يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين" (١) فبين أن من قرأ القرآن، ولم يعمل به لم ترفع قراءته إلى الله، ولا جاوز حنجرته، فلم يكتب أجرها وخاب من ثوابها، كما قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: ١٠]، يعني: أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى الله، وكما قال ابن مسعود: إنك في زمان كثير فقهاؤه وقليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه، وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه وكثير قراؤه يحفظ فيه القرآن وتضيع حدوده (٢).

فذم من حفظ الحروف وضيع العمل، ولم يقف عند الحدود، ومدح من عمل بمعاني القرآن، وإن لم يحفظ الحروف، فدل هذا على أن الحفظ والإحصاء المندوب إليه هو العمل، ويوضح هذا أيضًا ما كتب به عمر - رضي الله عنه - إلى عماله: إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه (٣). ولم يرد عمر - رضي الله عنه - بحفظها إلا المبالغة في إتقان العمل بها من إتمام ركوعها وسجودها وإكمال حدودها، لا حفظ أحكامها وتضييع العمل بها (٤).


(١) سلف برقم (٣٣٤٤) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ}، ورواه أيضًا مسلم (١٠٦٤) كتاب: الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم، كلاهما من حديث أبي سعيد الخدريِّ.
(٢) رواه مالك ص ١٢٤ - ١٢٥، والبخاري في "الأدب المفرد" (٧٨٩)، قال الحافظ في "الفتح"١٠/ ٥١٠: إسناده صحيح ومثله لا يُقال من قبل الرأي.
(٣) رواه عبد الرزاق ١/ ٥٣٧ (٢٠٣٨)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" ١/ ١٩٣، والبيهقي ١/ ٤٤٥.
(٤) "شرح ابن بطال" ١٠/ ٤٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>