للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: لا أوافقه على أن هذا مذهب الجمهور، بل الجمهور على تفضيل البشر، وهذِه نزعة اعتزالية، فأشرف المخلوقات بنو آدم الذين جعل الله خيرته منهم فلو كان غيرهم أشرف لصيره منهم (١).

فصل:

ووصفه تعالى لنفسه بأنه يتقرب إلى عبده، ووصف العبد بالتقرب إليه ووصفه بإتيانه هرولة، فإن التقرب والإتيان، وإن كان يحتمل الحقيقة والمجاز وحملها على الحقيقة يقتضي قطع المسافات وترائي الأجسام وذلك لا يليق به تعالى فاستحال حملها عليه، فتعين المجاز لشهرة ذلك في كلام العرب (٢)، فوجب أن يكون وصف العبد بالتقرب إليه شبرًا أو ذراعًا، وإتيانه ومشيه هرولة معناه: التقرب إليه بطاعته وأداء مفروضاته، ويكون تقربه تعالى من عبده وإتيانه كذلك عبارة عن إثابته على طاعته من رحمته، ويكون معنى قوله: "أتيته هرولة" أي: أتاه ثوابي مسرعًا.

قال الطبري: وإنما مثل القليل من الطاعة (بالشبر) (٣) منه، والضعف من الكرامة والثواب بالذراع فجعل ذلك دليلًا على مبلغ كرامته لمن أكرم


(١) اختُلف في هذِه المسألة، ونقل شارح "الطحاوية" عن أهل السنة تفضيل صالحي البشر والأنبياء على الملائكة، وذكر عن الإمام أبي حنيفة أنه سُئل عنها، فلم يقطع فيها بجواب. اهـ وسئل ابن تيمية فأجاب بأن صالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية، والملائكة أفضل باعتبار البداية. انظر "شرح الطحاوية" ص ٢٨١، "مجموع الفتاوى" ٤/ ٣٤٣.
(٢) الصواب إثبات صفات الله كما جاءت مع العلم بأنه ليس كمثله شيء، وانظر تعليقنا السالف ص ١٨٥ - ١٨٨، ٢٢٥.
(٣) في الأصل: (والشبر)، والمثبت من (ص ١).

<<  <  ج: ص:  >  >>