للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن آدم خصه الله من خلقه بيده بما لم يخص به إبليس، وكيف يسوغ للقدرية القول بأن اليد هنا القدرة، وظاهر الآية مع هذا يقتضي يدين، فينبغي على الظاهر إثبات قدرتين وذلك خلاف الأمة، ولا يجوز أن يكون المراد باليدين: نعمتين؛ لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق مثله؛ لأن النعم مخلوقة كلها، وإذا استحال كونهما جارحتين ونعمتين وقدرتين ثبت أنهما يدان صفتان لا كالأيدي، والجوارح المعروفة عندنا اختص آدم بأن خلقه بهما من بين سائر خلقه تكريمًا له وتشريفًا (١).

فصل:

وفي هذا الحديث دليل على شفاعة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكبائر من أمته خلافًا لمن أنكرها من المعتزلة والقدرية والخوارج، وهذا الحديث في غاية الصحة والقوة تلقاه المسلمون بالقبول إلى أن حدث أهل العناد والرد لسنن رسوله، وفي كتاب الله ما يدل على صحة الشفاعة إخبارًا عن الكفار إذ قيل لهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤)}، إلى {الْيَقِينُ} [المدثر: ٤٢ - ٤٧]، فأخبروا عن أنفسهم بالعلل التي من أجلها سلكوا في سقر، ثم قال: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)} زجرًا لأمثالهم من الكافرين، وترغيبًا للمؤمنين في الإيمان؛ ليحصل لهم به شفاعة الشافعين، وهذا دليل قاطع على ثبوت الشفاعة.

فإن عارض حديث الشفاعة معارض بأحاديث الوعيد كقوله: "من قتل نفسه بحديدة عُذب بها في نار جهنم أبدًا، ومن تحسى سمًّا" (٢)


(١) "شرح ابن بطال" ١٠/ ٤٣٦ - ٤٣٧.
(٢) سلف برقم (٥٧٧٨)، كتاب: الطب، باب: شرب السم والدواء به، ورواه مسلم (١٠٩)، كتاب: الإيمان، باب: غلظ تحريم قبل الإنسان نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>