للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحديث، ونحوه من الأخبار، فالجواب: بأنه لا تعارض لجواز أن يكون الله أنفذ عليه وعيده بأن خلده في النار أكثر من مدة بقاء من خرج بالشفاعة ثم يخرج من النار بعد ذلك، لشفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما في قلبه من الإيمان المنافي للكفر؛ لأن الخلود الأبدي الدائم إنما يكون في الكفار الجاحدين، وما جاء في كتاب الله من ذكر الخلود للمؤمنين؛ كقوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدً فِيهَا} [النساء: ٩٣] فإنما يراد بالتخليد تطويل المدة عليه في العذاب ولا يقتضي التأبيد، كما يقتضي خلود الكافرين، ويحتمل تأويل الحديث: من قتل نفسه على وجه الاستحلال والردة فجزاؤه ما ذكر في الحديث؛ لأن فاعل ذلك كافر لا محالة، ويشهد لهذا ما قاله قبيصة فيما سلف في البخاري في تأويل قوله - عليه السلام -: " فسحقًا سحقًا" (١) قال: هو في المرتدين، وقد سلمت جماعة من المعتزلة له شفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وجه دون وجه؛ لما لم يمكنها رد الأحاديث الواردة فيها؛ لانتشارها وقبول الأمة لها، ولشهادة ظواهر كتاب الله سبحانه لها فقالوا: تجوز شفاعته - عليه السلام - للتائب من الكبائر ولمن أتى بصغيرة مع اجتنابه الكبائر، أو في مؤمن لا ذنب له (لتباب) (٢)، وهذا كله فاسد على أصولهم؛ لاعتقادهم أن الله -سبحانه وتعالى- يستحيل منه تعذيب التائب من كبيرته، أو فاعل الصغائر إذا اجتنب الكبائر، أو تأخير ما استحق الذي لا ذنب له من الثواب؛ لأنه لو عذب من ذكرنا وأخر ثواب الآخر ولم يوف التائب والمجتنب للكبائر مع فعله للصغائر ثوابه على أعماله لكان ذلك خارجًا عن


(١) سلف برقم (٦٥٨٤) كتاب: الرقاق، باب في الحوض.
(٢) هكذا في الأصل، (ص ١) غير منقوطة، وانظر "شرح ابن بطال"١٠/ ٤٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>