[الكهف: ٢٣، ٢٤] فأشبه قوله: "لأطوفن الليلة" قول من جعل لنفسه الحول والقوة فحرمه الله مراده وما أمله.
فصل:
وأما قوله للأعرابي: ("لا بأس عليك، طهور إن شاء الله")، فإنما أراد به بأسه من مرضه فإن الله يكفر ذنوبه ويقيله ويؤخر وفاته، فوقع الاستثناء على ما رجا لَهُ من الإقالة والفرج؛ لأن المرض معلوم أنه كفارة للذنوب وإن كان الاستثناء قد يكون بمعنى رد المشيئة إلى الله تعالى، وفي جواب الأعرابي ما يدل على ما قلناه، وهو قوله:(بل حمي تفور على شيخ كبير تزيره القبور) أي: ليس كما رجوت من الإقالة.
وقوله - عليه السلام -: ("فنعم إذا") دليل على قوله: "لا بأس عليك" أنه على طريق الرجاء لا على طريق الخبر عن الغيب، وكذلك قول علي - عليه السلام -: (إن الله قبض أرواحنا حين شاء وردها حين شاء)(١).
فصل:
وحديث عبادة بن الصامت وحديث أبي هريرة - رضي الله عنهما - في قصة موسي - عليه السلام -، وقوله:"فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله" فيها كلها إثبات المشيئة لله. وفيه: فضيله موسي - عليه السلام -؛ لأن الأمة أجمعت على أن نبينا - عليه أفضل الصلاة والسلام - أفضل البشر، فإن كان لم يصعق موسى حين صعق الناس، ففيه: أن المفضول قد تكون فيه فضيلة خاصة لا تكون في الفاضل.
(١) لم أقف عليه من قول علي - رضي الله عنه -، وقد سلف هذا مرفوعًا برقم (٥٩٥) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الأذان بعد ذهاب الوقت. من حديث أبي قتادة بلفظ: "إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء".