ثم يقال لهم: لو وجب أن يكون كلامه من جنس كلام المخلوقين، من حيث اشترك كلامه تعالى وكلامهم في إدراكهما بالأسماع لوجب إذا كان الباري تعالى موجودًا وشيئًا أن يكون من جنس الموجودات وسائر الأشياء المشاهدة لنا، فإن لم يجب هذا لم يجب ما عارضوا به.
وقد ثبت أنه تعالى قادر على أن يعلمنا اضطرار كل شيء يصح أن يعلمناه استدلالًا ونظرًا، وإذا كان ذلك كذلك فواجب أن يكون تعالى قادرًا على أن يعلم موسى معاني كلامه -الذي لا يشبه كلام المخلوقين، الخارج عن كونه حروفًا متضمنة وأصواتًا مقطعة اضطرارًا- وينتخب له دليلًا إذا نظر فيه أداه إلى العلم بمعاني كلامه، وإذا كان قادرًا على الوجهين جميعًا زالت شبهة المعتزلة.
وقال ابن التين: اختلف المتكلمون في سماع كلام الله تعالى، فقال الشيخ أبو الحسن: كلام الله القائم بذاته الذي ليس بحرف ولا صوت يسمع عند تلاوة كل تالٍ، وقراءة كل قارئ. والقاضي يقول: لا يسمع وإنما تسمع التلاوة دون المتلو والقراءة دون المقروء.
ويحمل قوله تعالى {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ}[التوبة: ٦] على أنه مجاز، والمعنى: حتى يسمع تلاوة كلام الله وقراءته، والطائفة الأولى تحمل ذلك على الحقيقة، ويقولون: الفرق بيننا وبين موسى وبين نبينا عليهما السلام أنَّا نحن نسمع كلام الله بواسطة الكلام، وذلك سامعه بلا واسطة. والقاضي يقول: مخالفة كلام الله لكلام الخلق أشد من اختلاف الأصوات التي ندركها، فلما لم ندرك ذلك دل عليها بطلان مقالة من ادعى أنه مسموع، وأن المسموع التلاوة والقراءة دون المتلو والمقروء.