للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واحتج أهل هذِه المقالة، فقالوا: ما اعتل به من قال: إن الإسراء لو كان في المنام لما أنكرته قريش؛ لأنهم كانوا لا ينكرون الرؤيا؛ فلا حجة فيه. لأن قريشًا كانت تكذب العيان، وترد شهادة الله الذي هو أكبر شهادة عليهم بذلك، إذ قال عنهم حين انشق القمر: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢)} [القمر: ٢].

فأخبر عنهم (أنهم) (١) يكذبون ما يرون عيانًا، ولذلك قال (لهم) (٢): {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ} [الحجر: ١٤]، وقال عنهم أنهم قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} إلى (قوله) (٣): {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} ثم قال بعد ما تمنوه: {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} [الإسراء: ٩٠ - ٩٣]، وقال: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} إلى قوله: {لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: ١٠٩]: فأخبر تعالى أنه (يكيد) (٤) عقولهم وأبصارهم حتى ينكروا العيان القاطع للارتياب، ومثله قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ} الآية [الأنعام: ١١١].

وإنما كان إنكار قريش؛ لقوله: "أسري بي الليلة إلى بيت المقدس" حرصًا منهم على التشنيع عليه وإثارة اسم الكذب عليه عند العامة المهولة بمثل هذا التشنيع؛ فلم يسألوه: في اليقظة كان ذلك الإسراء أو منامًا؟ وأقبلوا على التقريع عليه وتعظيم قوله، وهذا غير معدوم من تشنيعهم، ألا تري تكذيبهم مثل وقعة بدر لرؤيا عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول


(١) الأصل: (أنه) والمثبت من (ص ١) وهو الصواب.
(٢) في (ص ١): عنهم.
(٣) من (ص ١).
(٤) بياض بالأصل، والمثبت من (ص ١).

<<  <  ج: ص:  >  >>