للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومعنى قول قتادة: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} في قلبك حتى تحفظه وتؤلفه، وأبو عبيدة يذهب إلى أن معنى قرأناه: جمعناه (١).

وغرض البخاري في الباب: أن يعرفك أن وعاء القلب لما يسمعه من القرآن، وأن قراءة الإنسان وتحريك شفتيه ولسانه عمل له وكسب يؤجر عليه، وكان - عليه السلام - يحرك به لسانه عند قراءة جبريل - عليه السلام - مبادرة منه ما يسمعه فنهاه تعالى عن ذلك، ورفع عنه الكلفة والمشقة التي كانت تناله في ذلك مع ضمانه تعالى تسهيل الحفظ على نبيه وجمعه له في صدره، وأَمَرَه أن يقرأه إذا فرغ جبريل من قراءته، وهو معنى قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨)} [القيامة: ١٨] وقيل: اعمل بما فيه.

وأما إضافته تعالى القراءة إليه في قوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} [القيامة: ١٨].

والقارئ لكلامه تعالى على محمد - عليه السلام - هو جبريل دونه تعالى فهذِه إضافة فعل فعله في غيره كما نقول: قتل الأمير اللص وصلبه وهو لم يلِ ذلك بنفسه إنما أمر من فعله (٢)، ففيه بيان لما يشكل من كل فعل نسب


(١) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٨.
(٢) إن المضاف إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- نوعان:
أعيان قائمة بنفسها كبيت الله وناقة الله وعبد الله فهذِه إضافتها إلى الله تقتضي الاختصاص والتشريف وهي من جملة المخلوقات لله.
والنوع الثاني: صفات لا تقوم بنفسها كعلم الله وحياته وقدرته وكلامه ووجهه، فهذِه إذا وردت مضافة إليه فهي من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
وكذلك ما أخبر أنه منه: فإن كان أعيائا كرُوْح منه. قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}. فهذِه منه خلقًا وتقديرًا.
وإن كان ذلك أوصافًا كقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ}. دل على أن ذلك من صفاته لامتناع قيام الصفة بنفسها.

<<  <  ج: ص:  >  >>