للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالجواب: أنه ليس كما توهمت؛ لأن ريح المسك حكم للدم بالطهارة، فكان اللون والطعم تبعًا للطاهر، وهو الريح التي انقلب ريح مسك، فكذلك الماء إذا تغير منه وصف واحد بنجاسة حلت فيه، كان الوصفان الباقيان تبعًا للنجاسة، وكان الماء بذلك خارجًا عن حد الطهارة؛ لخروجه عن صفة الماء الذي جعله الله طهورًا، وهو الماء الذي لا يخالطه شيء.

ومنها: أن أبا حنيفة يحتج بهذا الحديث على جواز استعمال الماء المضاف المتغيرة أوصافه، بإطلاق اسم الماء عليه، كما انطلق على هذا اسم الدم، وإن تغيرت أوصافه إلى الطيب (١)، ولا يخفي ما في ذَلِكَ.

سادسها:

فيه أيضًا من الفوائد: فضل الجراحة في سبيل الله، وأن الشهيد لا يُزال عنه الدم بغسل ولا غيره؛ للحكمة التي ذكرناها، وإليه يشير قوله: "كهيئتها إذ طعنت" وكان الحسن وابن سيرين يقولان: يغسل كل مسلم، وأن كل ميت يُجنب (٢)، وأن أحكام الآخرة وصفاتها غير أحكام الدنيا وذواتها، فإن الدم في الآخرة يتغير حكمه من النجاسة والرائحة الخبيثة التي في الدنيا إلى الطهارة والرائحة الطيبة يوم القيامة، وبذلك يقع الإكرام له والتشريف.

ولا يلزم من كونه لون الدم أن يكون دمًا نجسًا حقيقة، كما لا يلزم من كون ريحه ريح مسك أن يكون مسكًا حقيقة، بل يجعله الله شيئًا يشْبه هذا، ويُشبه هذا بأشياء عما فارق الدنيا عليه، كما أن إعادة الأجسام لما


(١) انظر: "الهداية" ١/ ١٩.
(٢) رواه ابن أبي شيبة ٢/ ٤٥٨ عن سعيد بن المسيب والحسن.