للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: ويمكن أن يكون سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسق فيه بعد، وقد وقع لمالك في "موطئه" مثل هذا في موضعين:

أحدهما: لما ذكر حديث: "وإن مما أدركت الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" (١). وذكر إثره حديث: ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، فحدث بهما جميعًا كما سمعهما.

والثاني: حديث الغُصن الشوك وذكر معه "الشهداء خمسة" (٢).

وقال ابن المنير: إن قُلْتَ: كيف طابق هذا مقصود الترجمة؟ وهل ذَلِكَ لما قيل: إن همامًا راويه روى جملة أحاديث عن أبي هريرة، استفتحها له أبو هريرة بذلك، فصار همام مهما حدث عن أبي هريرة ذكر الجملة من أولها واتبعه البخاري في ذَلِكَ، أو يظهر مطابقة معنوية؟ قُلْتُ: على المطابقة، وتحقيقها أن السر في اجتماع الآخر في الوجود والسبق في البعث لهذِه الأمة، مثلها للمؤمن مثل السجن، وقد أدخل الله فيه الأولين والأخرين على ترتيب.

فمقتضى ذَلِكَ أن الآخر في الدخول أول في الخروج، كالوعاء إذا ملأته بأشياء وضع بعضها فوق بعض ثم استخرجتها، فإنما يخرج أولًا ما أدخله آخرًا، فهذا هو السر في كون هذِه الأمة آخرًا في الوجود الأول أولًا في الوجود الثاني، ولها في ذَلِكَ من المصلحة، فله بقاؤها في سجن الدنيا وفي أطباق البلاء بما خصها الله تعالى به من قصر الأعمار، ومن السبق إلى المعاد، فإذا فهمت هذِه الحقيقة تصور الفطن معناها عامًا.


(١) "الموطأ" ص ١١٦.
(٢) "الموطأ" ص ١٠٠.