للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

خامسها:

استدل به من جَوَّز التيمم بجميع أجزاء الأرض، وبه قَالَ أبو حنيفةَ ومالكٌ، حَتَى جوازه بصخرةٍ مغسولة (١)، وفيه نظرٌ؛ لأن (من) الدالة عَلَى التبعيض في الآيةِ تقتضي أن يمسحَ بشيءٍ يحصل عَلَى الوجهِ واليدين بعضه.

وقد أنصف الزمخشريُّ وهو من الحنفيةِ، فإنه أبرز ما ذكرناه في صورةِ سؤالٍ يدل عَلَى المنعِ بالحجرِ ونحوه، وأجابَ بقوله: قلت: هو كما نقول الحقُ أحق من المراءِ (٢). وأبعد ابن كيسانَ، وابن عليَّةَ فقالا بجوازه بالمسكِ والزعفرانِ، نقله عنهما النَّقاشُ في "تفسيره" (٣).


= الأصل في الطبائع التي ركب الله عليهما هذا العالم، وجعل قوامه بهما.
ثم قال: وأما كونه في عضوين ففي غاية الموافقة للقياس والحكمة، فإن وضع التراب على الرؤوس مكروه في العادات، وإنما يفعل عند المصائب والنوائب. والرجلان محل ملابسة التراب في أغلب الأحوال، وفي تتريب الوجه من الخضوع والتعظيم لله والذل له والانكسار لله ما هو من أحب العبادات إليه وأنفعها للعبد
ثم قال: وأما جمعها بين الماء والتراب في التطهير فلله ما أحسنه من جمع! وألطفه وألصقه بالعقول السليمة والفطر المستقيمة! وقد عقد الله سبحانه الإخاء بين الماء والتراب قدرًا وشرعًا: فجمعهما الله -عز وجل- وخلق آدم وذريته، فكانا أبوين اثنين لأبوينا وأولادهما، وجعل منهما حياة كل حيوان، وأخرج منهما أقوات الدواب والناس والأنعام، وكانا أعم الأشياء وجودًا، وأسهلها تناولًا، وكان تعفير الوجه في التراب قدرًا من أحب الأشياء إليه، ولما كان عقدُ هذِه الأخوة بينهما قدرًا أحكم عقدٍ وأقواه كان عقد الأخوة بينهما شرعًا أحسن عقدٍ وأصحه، فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، وله الكبرياء في السموات والأرض، وهو العزيز الحكيم. "إعلام الموقعين" ٢/ ١٧ - ١٨، ١٧٤ - ١٧٥.
(١) انظر: "الهداية" ١/ ٢٧، "الذخيرة" ١/ ٣٤٦ - ٣٤٧.
(٢) "الكشاف" ١/ ٤٤٩.
(٣) وانظر: "مجموع الفتاوى" ٢١/ ٣٦٤ - ٣٦٦.