للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولعل جزعه لانكشاف جسده وليمس في الحديث أنه انكشف شيء من عورته، وروي من طريق عكرمة عن ابن عباس عن أبيه: أنه لما سقط مغشيًا عليه، نظر إلى السماء وأخذ إزاره، وقال: "نهيت أن أمشي عريانًا"، فقال العباس: أكتمها من الناس مخافة أن يقولوا مجنون (١).

وفي رواية: (فما رؤي بعد ذلك عريانًا) إنه لا ينبغي التعري للمرء بحيث تبدو عورته لعين الناظر إليها، والمشي عريانًا بحيث لا يأمن أعين الآدميين، إلا ما رخص فيه من رؤية الحلائل لأزواجهن عراة، وقد دل حديث العباس المذكور أنه لا يجوز التعري في الخلوة، ولا لأعين الناس، وقيل: إنما مخرج القول فيه للحال التي كان عليها، فحيث كانت قريش رجالها ونساؤها تنقل معه الحجارة، فقال: "نهيت أن أمشي عريانًا" في مثل هذِه الحالة.

ولو كان ذلك نهيًا عن التعري في كل مكان؛ لكان قد نهاه عنه في غسل الجنابة في الموضع الذي قد أمن من أن يراه فيه أحد إلا الله، إذ كان المغتسل لا يجد بدًّا من التعري ولكنه نهاه عن التعري بحيث يراه أحد، والقعود بحيث يراه من لا يحل له أن يرى عورته في معنى المشي عريانًا.

ولذلك نهى الشارع عن دخول الحمام بغير إزار، وأما حديث القاسم عن أبي أمامة مرفوعًا "لو أستطيع أن أواري عورتي من شعاري لواريتها" (٢)، فإن صح فمحمول على الاستحباب لاستعمال الستر


(١) "سيرة ابن إسحاق" ١/ ٥٨.
(٢) رواه ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" ٢/ ٣٦٣ من طريق جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، وقال: ولجعفر بن الزبير هذا أحاديث غير ما ذكرت عن القاسم، وعامتها لا يتابع عليه. وأورده صاحب "الفردوس" ٣/ ٣٦٣ =