الاستكان بملة إبراهيم، وقد نهاه الشارع عن مثل هذا حين أتى بأشياء من التوراة، فقال له:"أمثلها منك يا عمر"
فالجواب كما قاله ابن الجوزي: أن عمر لما سمع قوله تعالى في إبراهيم {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}[البقرة: ١٢٤] ثم سمع قوله: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}[النحل: ١٢٣] علم أن الائتمام به مشروع في شرعنا دون غيره من الأنبياء، ثم رأى أن البيت مضاف إليه، فإن أثر قدمه في المقام كرقم اسم الباني في البناء ليذكر به بعد موته، فرأى الصلاة عند المقام كقراءة الطائف بالبيت اسم من بناه، فوقعت موافقته في رأيه وأما غير إبراهيم من الأنبياء فلا يجري مجراه على أن هذا القدر من شرع إبراهيم معلوم قطعًا، وما في أيدي الكتابيين من التوراة والإنجيل أمر مغير مبدل.
سادسها: آية الحجاب، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - جاريًا على عادة العرب في ترك الحجاب حتى أمر به، ووقع أمر لشرف أزواجه - صلى الله عليه وسلم - وعلو مناصبهن، وعظم حرمتهن، وأن الذي ناسب حالهن أن يحجبن عن الأجانب، ولم يكن يخفي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما نبه عليه ابن الجوزي وغيره، ولكن كان ينتظر الوحي في الأشياء، وكان الحجاب في السنة الخامسة في قول قتادة أو في الثالثة في قول أبي عبيدة وبعد أم سلمة كما قال ابن إسحاق، أو في ذي القعدة سنة أربع كما هو عند ابن سعد (١).
وجزم شيخنا عبد الكريم في "شرحه" بالأول، وكان السبب فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - تزوج زينب بنت جحش وأولم عليها، فأكل جماعة وهي مولية وجهها الحائط، ولم يخرجوا فانتظر - صلى الله عليه وسلم - خروجهم وجلسوا
(١) "الطبقات الكبرى" ٨/ ١٧٦، وعنده: في السنة الخامسة.