الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} الآية؛ فوبخهم الله تعالى على ذلك، وكذلك تشاءم - صلى الله عليه وسلم - بالبقعة، التي نام فيها عن الصلاة ورحل عنها، ثم صلى، فكراهته الصلاة في موضع الخسف أولى، إلا أن إباحته - صلى الله عليه وسلم - الدخول بها على وجه البكاء والاعتبار يدل على أن من صلى هناك لا تفسد صلاته؛ لأن الصلاة موضع بكاء وتضرع وخشوع واعتبار، فإن صلى هناك غير باك لم تبطل صلاته.
وزعم بعض أهل الظاهر أن من صلى في الحجر -بلاد ثمود- وهو غير باك فعليه سجود السهو إن كان ساهيا، وإن تعمد ذلك بطلت صلاته، وكذا من صلى في موضع مسجد الضرار، وهذا خلف من القول الأول لاحقا بسقوطه إن كان لا يجوز عنده فيه صلاة من تعمد ترك البكاء، فكيف أجاز صلاة الساهي بعد سجود السهو؟ وإسقاطُ الواجبات لا يجبر بسجود السهو عند العلماء، وهو تخليط منه، فقد بين الشارع في الحديث معنى نهيه عن دخول مواضع الخسف لغير الباكي، وهو:"لا يصيبكم مثل ما أصابهم" وليس في هذا ما يدل على فساد صلاة من لم يبك، وإنما فيه خوف نزول العذاب، وتسويته بين الصلاة في موضع مسجد الضرار بالصلاة في موضع الخسف ليس في الحديث، وهو قياس فاسد منه، وهو لا يقول بالقياس فقد تناقض.
ثالثها:
قوله:"إلا أن تكونوا باكين" أمرهم به؛ لأنه ينشأ عن التفكر، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء، والتفكر الذي ينشأ عنه البكاء في مثل ذلك المقام ينقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: تفكر يتعلق بالله -عز وجل- إذ قضى على أولئك بالكفر.