للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السادس: قوله: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله". فهو رجل عصمه الله ومنَّ عليه بفضله حتى خافه بالغيب فترك ما يهوى كقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [النازعات:٤٠] وقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)} [الرحمن: ٤٦] فتفضل الله على عباده بالتوفيق والعصمة، وأثابهم على ذلك.

روى أبو معمر، عن سلمة بن نبيط عن عبيد بن أبي الجعد عن كعب الأحبار: إن في الجنة لدار درة فوق درة ولؤلؤة فوق لؤلؤة فيها سبعون ألف قصر، في كل قصر سبعون ألف دار، في كل دار سبعون ألف بيت لا ينزلها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو محكم في نفسه أو إمام عادل. قال سلمة: فسألت عبيدًا عن المحكم في نفسه، قال: هو الرجل يطلب الحرام من النساء أو من المال فيعرض له فإذا ظفر به تركه مخافة الله تعالى، فذلك المحكم في نفسه (١).

وقوله: "إني أخاف الله": يحتمل كما قال القاضي: أن يقول ذلك بلسانه، ويحتمل أن يقوله بقلبه؛ ليزجر نفسه، وخص المنصب والجمال؛ لكثرة الرغبة فيهما وعسر حصولهما لا سيما وهي داعية إلى نفسها طالبة لذلك قد أغنت عن مشاق التوصل، فالصبر عليها لخوف الله تعالى من أكمل المروءات وأعظم الطاعات، وذات المنصب هي ذات الحسب والنسب الشريف.

ومعنى "دعته": أي: إلى الزنا بها، ويحتمل كما قال القاضي: أنها دعته إلى نكاحها فخاف العجز عن القيام بحقها، أو أن الخوف من الله شغله عن لذات الدنيا وشهواتها، والصواب الأول (٢).


(١) رواه هناد في "الزهد" ١/ ١٠٤ (١٢٤)، وأبو نعيم في "الحلية" ٥/ ٣٨٠.
(٢) "إكمال المعلم" ٣/ ٥٦٣.