قَالَ الطحاوي: حجة الجماعة عَلَى الشافعي: حديث عطاء عن ابن عباس أن سهلًا الساعدي كان في مجلس فيه أبوه -وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -- وفي المجلس أبو هريرة وأبو أسيد وأبو حميد الساعدي والأنصار؛ وأنهم تذاكروا الصلاة. قَالَ أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله. قالوا: فأرنا. فقام يصلي فكبر ورفع يديه في أول التكبير، ثمَّ ذكر حديثًا طويلًا فيه: أنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى قام ولم يتورك، فلما جاء هذا الحديث كما ذكرنا وخالف حديث مالك بن الحويرث احتمل أن يكون ما فعله - صلى الله عليه وسلم - فيه لعلة كانت به فقعد من أجلها لا لأن ذَلِكَ من سنة الصلاة، فلما كان ابن عمر يتربع في الصلاة، فلما سُئِلَ عن ذَلِكَ قَالَ: إن رجلاي لا تحملاني؛ فكذلك احتمل أن يكون ما فعله - صلى الله عليه وسلم - من القعود كان لعلة أصابته حتَّى لا يضاد حديث مالك بن الحويرث، وهذا أولى بنا من حمل ما روي عنه عَلَى التنافي والتضاد.
وحديث أبي حميد أيضًا حكاه بحضرة جماعة من الصحابة فلم ينكر ذَلِكَ أحد منهم، فدل أن ما عندهم في ذَلِكَ غير مخالف لما حكاه لهم في حديث مالك بن الحويرث من قول (أيوب)(١) أن ما كان عمرو بن سَلِمة يفعله من ذَلِكَ لم ير الناس يفعلونه، وهو قَدْ رأى جماعة من جلة التابعين، فذلك حجة في دفع حديث مالك بن الحويرث أن يكون سنة.
ثمَّ إن النظر يوافق ما رواه أبو حميد وذلك أنا رأينا الرجل إِذَا خرج في صلاته من حال إلى حال استأنف ذكرًا، من ذَلِكَ إنا رأيناه إِذَا أراد
(١) في الأصل: أبي أيوب والمثبت من "شرح معاني الآثار" ٤/ ٣٥٥.