وقال المهلب: نص القرآن دال على أن الجمعة تجب على من سمع النداء وإن كان خارج المصر، وهذا أصح الأقوال.
قال ابن القصار: اعتل الكوفيون لقولهم: إن الجمعة لا تجب على من كان خارج المصر؛ لأن الأذان علم لمن لم يحضر، والأذان بعد دخول الوقت، ومعلوم أن من يسمع على أميال يأخذ في المشي فلا يلحق، فيقال لهم معنى الآية: إذا قرب وقت النداء لها بمقدار ما يدركها كل ساع إليها، وليس على أنه لا يجب السعي إليها إلا حين النداء.
والعرب قد تضع البلوغ بمعنى المقاربة، لقوله:"إن ابن أم مكتوم لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت"(١). أي: قاربت الصباح، ومثله:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: ٢] أي: قاربن. لأنه إذا بلغت آخر أجلها لم يكن له إمساكها.
وفي الإجماع على أن من كان في طرف المصر العظيم وإن لم يسمع النداء يلزمه السعي دليل واضح أنه لم يرد بالسعي حين النداء خاصة، وإنما أريد قربه.
وأما من كان خارج المصر إذا سمع النداء فهو داخل في عموم قوله:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاة}[الجمعة: ٩] الآية، ولم يخص من في المصر أو خارجه، وأما حديث الباب ففيه رد لقول الكوفيين: إن الجمع لا تجب على من كان خارج المصر؛ لأنها أخبرت عنهم بفعل دائم: أنهم كانوا ينتابون الجمعة. فدل على لزومها عليهم.
قال محمد بن مسلمة: ومما يبين أن الجمعة لازمة لأهل العوالي إذن عثمان لهم يوم العيد في الانصراف، ولولا وجوبها عليهم ما أذن لهم،
(١) سبق برقم (٦١٧) كتاب: الأذان، باب: أذان الأعمى إذا كان له من يخبره.