للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثالث:

فيه أن الجنة مخلوقة إذ ذاك، وأن فيها ثمارًا موجودة، وكذا النار حقيقة ببينة التناول الذي رأوه يفعله، وإخبار الصادق حق لا شك فيه ولا مرية، فخلق الرب جل جلاله له إدراكًا أدركهما به في جهة الحائط الذي أشار إليه، كما فرج له عن بيت المقدس ليلة الإسراء، فجعل يخبرهم عنه (١).

وقال مجاهد في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأنعام: ٧٥] قَالَ: فرجت له السماوات، حَتَّى نظر إلى ما فيهن، حَتَّى انتهى بصره إلى العرش، وفرجت له الأرضون السبع فنظر إلى ما فيهن (٢). وإنما لم يأخذ العنقود؛ لأن طعام الجنة باقٍ أبدًا لا يفنى، ولا يكون شيء من دار البقاء في دار الفناء. وقد قدَّر الرب جل جلاله أن رزق الدنيا لا ينال إلا بتعب ونصب، فلا يبدل القول لديه. وأيضًا فطعام الجنة شوَّق الرب إليه عباده، ووعدهم به؛ جزاءً لأعمالهم الصالحة، والدنيا ليست دار جزاء، ولذلك لم يأخذه.

وقوله: ("لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا") ويريد أنهم كانوا يأكلون منه، ويأكل منه من بعدهم حَتَّى تنقضي الدنيا؛ لأنه كان لا يفنى ولا ينقطع بموته. و (لو) عند العرب لامتناع الشيء بامتناع غيره كقوله: "لو كان بعدي نبي لكان عمر" (٣)، ولا سبيل إلى أن يكون بعده نبي،


(١) سيأتي هذا الحديث برقم (٣٨٨٦، ٤٧١٠)، ورواه مسلم (١٧٠) من حديث جابر.
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" ٥/ ٢٤٢ (١٣٤٥٢).
(٣) رواه الترمذي (٣٦٨٦) كتاب المناقب، باب في مناقب عمر بن الخطاب، وأحمد ١/ ١٥٤ ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" ١/ ٤٦٢، ٢/ ٥٠٠، والطبراني ١٧/ ٢٩٨ (٨٢٢)، ١٧/ ٣١٠، والحاكم ٣/ ٨٥ وقال: هذا حديث صحيح =