للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مكة أتموا؛ فإنا قوم سفر (١)، وكذا قاله الشارع بمكة. وممن روي عنه أن المكي يقصر بمنى ابن عمر، وسالم، والقاسم، وطاوس (٢)، وبه قَالَ الأوزاعي، وإسحاق، وقالوا: إن القصر سنة الموضع، وإنما يتم بمنى وعرفة من كان مقيمًا فيهما، واستدلوا بحديث حارثة ابن وهب المذكور في الكتاب، وكانت دار حارثة بمكة، ولو لم يجز لأهل مكة القصر بمنى لقَالَ حارثة: وأتممنا نحن، أو قَالَ لنا: أتموا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - يلزمه البيان لأمته (٣)؛ ولأن عمل الحاج لا ينقضي في أقل من يوم وليلة مع الانتقال اللازم، والمشي من موضع إلى موضع لا يجوز الإخلال به، فجرى ذلك مجرى الشيء اللازم؛ ولأن من مكة إلى عرفة، ثم إلى مكة بمقدار ما يقصر فيه الصلاة، ويلزمه بالدخول فيه ملزمة القصر، ولا يلزم على هذا من يخرج من سفر بضعًا وعشرين ميلًا؛ لأن رجوعه هناك ليس بلازم، ورجوعه إلى مكة في الحج لازم؛ ولأنه عائد إلى الطواف، فصار لا بد من نية الرجوع بخلاف غيره من الأسفار. وهذا التعليل والذي قبله يخرج منه العَرَفيُّ.

وروى عيسى عن ابن القاسم في أهل مني وأهل عرفة يفيضون بقصر العرفي، ويتم المنوي إلى منى؛ لأنه يرجع إلى وطنه بعد أن يفيض في مسافة إتمام، بخلاف العرفي، فإنه يفيض من مكة إلى غير وطنه لإتمام حجه، فإذا دفع من منى بعد انقضاء حجه لم يقصر إلى عرفة لما ذكرناه.


(١) رواه مالك ص ١١١، والبيهقي في "معرفة السنن الآثار" ٤/ ٢٧٨ (٦١٥٥) كتاب: الصلاة، باب: صلاة المكي بمنى تمام غير قصر.
(٢) رواه ابن أبي شيبة ٢/ ٢٠٨ (٨١٨٣ - ٨١٨٥) كتاب: الصلوات، باب: في أهل مكة يقصرون إلى منى.
(٣) "شرح ابن بطال" ٣/ ٦٨ - ٦٩.