الثالث: أنه قال: "ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر"، ومعلوم أنه لا يجيب الدعاء ويغفر الذنوب ويعطي كل سائل سؤله إلا الله، وأمره ورحمته لا تفعل شيئًا من ذلك. الرابع: نزول أمره ورحمته لا تكون إلا منه؛ وحينئذ فهذا يقتضي أن يكون هو فوق العالم، فنفس تأويله يبطل مذهبه؛ ولهذا قال بعض النفاة لبعض المثبتين: ينزل أمره ورحمته؛ فقال له المثبت: فممن ينزل؟! ما عندك فوق شيء؛ فلا ينزل منه لا أمر ولا رحمة ولا غير ذلك؟! فبهت النافي وكان كبيرًا فيهم. الخامس: أنه قد روى في عدة أحاديث: "ثم يعرج" وفي لفظ "ثم يصعد". السادس: أنه إذا قدر أن النازل بعض الملائكة، وأنه ينادي عن الله كما حرف بعضهم لفظ الحديث فرواه "يُنزل" من الفعل الرباعي المتعدي عن الله كما حرف بعضهم لفظ الحديث فرواه "ينزل" من الفعل الرباعي المتعدي أنه يأمر مناديا ينادي؛ لكان الواجب أن يقول: من يدعو الله فيستجيب له؟ من يسأله فيعطيه؟ من يستغفر فيغفر له؟ كما ثبت في "الصحيحين"، "وموطأ مالك" و"مسند أحمد بن حنبل"، وغير ذلك عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: وإذا أحب الله العبد نادى في السماء يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه؛ فيحبه جبريل؛ ثم ينادي جبريل: إن الله يحب فلانا فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء، ثم وضع له القبول في الأرض"، وقال في البغض مثل ذلك. فقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - الفرق بين نداء الله ونداء جبريل. فقال في نداء الله: "يا جبريل! إني احب فلانا فأحبه". وقال في نداء جبريل: "إن الله يحب فلانا فأحبوه"، وهذا موجب اللغة التي بها خوطبنا، بل وموجب جميع اللغات، فإن ضمير المتكلم لا يقوله إلا المتكلم. فأما من أخبر عن غيره فإنما يأتى باسمه الظاهر وضمائر الغيبة. وهم يمثلون نداء الله بنداء السلطان ويقولون: قد يقال: نادى السلطان، إذا أمر غيره بالنداء -وهذا كما قالت الجهمية المحضة في تكليم الله لموسى: إنه أمر غيره فكلمه، لم يكن هو المتكلم، فقال لهم: إن السلطان إذا أمر غيره أن ينادي أو يكلم غيره أو يخاطبه؛ فإن المنادى ينادي: معاشر الناس! أمر السلطان بكذا، أو رسم بكذا، لا يقول إني أنا أمرتكم بذلك. =