وقوله: ("وأسألك من فضلك العظيم") كل عطاء الرب جل جلاله فضل، فإنه ليس لأحد عليه حق في نعمة ولا في شيء، فكل ما يهب فهو زيادة مبتدأة من عنده لم يقابلها منَّا عوض فيما مضى، ولا يقابلها فيما يستقبل، فإن وفق للشكر والحمد فهو نعمة سؤل وفضل يفتقر أيضًا إلى حمد وشكر هكذا إلى غير نهاية، خلاف ما تعتقده المبتدعة التي تقول: إنه واجب على الله أن يبتدئ العبد بالنعمة، وقد خلق له القدرة، وهي باقية فيه، دائمة له أبدًا يعصي ويطيع.
وقوله: ("فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم") فيه تصريح بعقيدة أهل السنة، فإنه نفي العلم عن العبد والقدرة وهما موجودان، وذلك يناقض في بادئ الرأي، والحق والحقيقة فيه الاعتراف بأن العلم لله والقدرة لله، ليس للعبد من ذلك شيء إلا ما خلق له يقول: فأنت يا رب تقدر قبل أن تخلق فيَّ القدرة، وتقدر مع خلقها، وتقدر بعدها. وأما على الحقيقة في الأقوال كلها مصرف لك ومحل لمقدوراتك وكذلك في العلم.
وقوله: ("وأنت علام الغيوب") المعنى: أنا أطلب مستأنفًا لا يعلمه إلا أنت، فهب لي منه ما ترى أنه خير لي في ديني ومعاشي، وعاجل أمري وآجله، وهي أربعة أقسام: خير يكون له في دينه دون دنياه، وهذا هو المقصود للإبدال، ولا صبر على عموم الخلق فيه.
ثانيها: خير له في دنياه خاصة ولا يعرض على دينه، فذلك حظ حقير.
ثالثها: خير في العاجل، وذلك يحصل في الدنيا ويحتمل للابتداء، ويكون في الآخرة أولى.