للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الشعبي: كان شريح يدفن جنائزه ليلًا يغتنم ذلك، فيأتيه الرجل

حين يصبح، فيسأله عن المريففيقول: هدأ، لله الشكر، وأرجو أن

يكون مستريحًا (١). أخذه من قصة أم سليم. وكان ابن سيرين يكون عند

المصيبة كما هو قبلها يتحدث ويضحك، إلا يوم ماتت حفصة فإنه

جعل يكشر وأنت تعرف في وجهه (٢). وسئل ربيعة: ما منتهى الصبر؟

قَالَ: أن يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه (٣). وقال

آخرون: الصبر المحمود هو ترك العبد عند حدوث المكروه عليه

وصفه وبثه للناس، ورضاه بقضاء ربه وتسليمه لأمره.

وأما جزع القلب، وحزن النفس، ودمع العين، فإن ذلك لا يخرج العبد عن معاني الصابرين، إذا لم يتجاوزه إلى ما لا يجوز له فعله؛ لأن نفوس بني آدم مجبولة على الجزع من المصائب. وقد مدح الله الصابرين ووعدهم جزيل الثواب عليه، والثواب إنما هو على ما اكتسبوه من أعمال الخير، دون ما لا صنع لهم فيه، وتغير الأجساد عن هيئاتها، ونقلها عن طباعها الذي جبلت عليه لا يقدر عليه إلا الذي أنشأها.

والمحمود من الصبر ما أمر الله به، وليس فيما أمر به تغيير جبلته عما خلقت به. والذي أمر به عند نزول النبلاء الرضا بقضائه، والتسليم لحكمه، وترك شكوى ربه، وبذلك فعل السلف. قَالَ ربيعة بن كلثوم: دخلنا على الحسن وهو يشتكي ضرسه، فقال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (٤).


(١) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٣/ ٥٢١ - ٥٢٢ (٦٥٥٧، ٦٥٥٨) كتاب: الجنائز، باب: الدفن بالليل. ورواه ابن سعد في "الطبقات" ٦/ ١٤٤.
(٢) رواه البيهقي في "الشعب" ٧/ ٢٤٥ (١٠١٧٦) باب: في الصبر على المصائب.
(٣) روه أبو نعيم في "الحلية" ٣/ ٢٦٢.
(٤) رواه البيهقي في "الشعب" ٧/ ٢١٧ (١٠٠٦٤) باب: في الصبر على المصائب.