للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الطبري: إن قَالَ قائل: إن أحوال الناس في الصبر متفاوتة، فمنهم من يظهر حزنه على المصيبة في وجهه بالتغير له، وفي عينيه بانحدار الدموع. ولا ينطق بالسيئ من القول، ومنهم من يظهر ذلك في وجهه وينطق بالهجر المنهي عنه، ومنهم من يجمع ذلك كله ويزيد عليه إظهاره في مطعمه وملبسه، ومنهم من يكون حاله في حال المصيبة وقبلها سواء. فأيهم المستحق اسم الصبر؟ قيل: قد اختلف السلف في ذلك فقال بعضهم: المستحق لاسم الصبر هو الذي يكون في حالها مثله قبلها، ولا يظهر عليه حزن في جارحة ولا لسان. قَالَ غيره -كما زعمت الصوفية-: إن الولي لا تتم له ولاية إلا إذا تم له الرضا بالقدر، ولا يحزن على شيء، والناس في هذا الحال مختلفون، فمنهم من في طبعه الجلد وقلة المبالاة بالمصائب، ومنهم من هو بخلاف ذلك، فالذي يكون في طبعه الجزع ويملك نفسه ويستشعر الصبر أعظم أجرًا من الذي الجلد طباعه.

قَالَ الطبري: كما روي عن ابن مسعود أنه لما نعي له أخوه عتبة قَالَ: لقد كان من أعز الناس عليّ وما يسرني أنه بين أظهركم اليوم حيًّا. قالوا: وكيف وهو من أعز الناس عليك؟ قَالَ: (والله) (١) إني لأؤجر فيه أحب إليَّ من أن يؤجر فيَّ.

وقال ثابت: إن صلة بن أشيم مات أخوه، فجاءه رجل وهو يطعم، فقال: يا أبا الصهباء، إن أخاك قد مات. قَالَ: هلم فكل، قد نعي لنا إذًا فكل. قَالَ: والله ما سبقني إليك أحد، فمن نعاه؟ قَالَ: بقول الله -عز وجل-: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)} (٢) [الزمر: ٣٠].


(١) من (م).
(٢) رواه ابن سعد في "الطبقات" ٧/ ١٣٧، وأبو نعيم في "الحلية" ٢/ ٢٣٨ - ٢٣٩.