ذلك أن في النفس عند هجوم الحادثة محرك على الجزع، ليس في غيرها مثله، وبتلك يضعف على ضبط النفس فيها كثير من الناس، بل يصير كل جازع بعد ذلك إلى السلو ونسيان المصيبة، والأخذ بقهر الصابر نفسه وغلبته هواها عند صدمته؛ إيثارًا لأمر الله على هوى نفسه، ومنجزًا لموعوده. بل السالي عن مصابه لا يستحق اسم الصبر على الحقيقة؛ لأنه آثر السُّلُوَّ على الجزع واختاره، وإنما الصابر على الحقيقة من صبر نفسه، وحبسها عن شهوتها، وقهرها عن الحزن والجزع والبكاء الذي فيه راحة النفسس وإطفاء لنار الحزن، فإذا قابل سَوْرَة الحزن وهجومه بالصبر الجميل، واسترجع عند ذلك، وأشعر نفسه أنه لله مِلك، لا خروج له عن قضائه، وإليه راجع بعد الموت، ويلقي حزنه بذلك، انقمعت نفسه، وذلت على الحق، فاستحقت جزيل الأجر.