للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ". يعني: مقطوعة الأذن. فمثَّل قلوب بني آدم بالبهائم؛ لأنها تولد كاملة الخلق ليس فيها نقص ثم تجدع، فكذا يكون الأطفال في حين ولادتهم ليس لهم كفر حينئذ ولا إيمان ولا معرفة ولا إنكار مثل البهائم السالمة، فلما بلغوا استهواهم الشيطان فكفر أكثرهم إلا من عصم الله.

قالوا: ولو كان الأطفال قد فطروا على الكفر أو الإيمان في أول أمرهم فما انقلبوا عنه أبدًا، وقد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون، ويستحيل أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل شيئًا؛ لأن الله تعالى أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئًا، فمن لا يعلم شيئًا استحال منه كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار.

قَالَ أبو عمر: وهذا القول أصح ما قيل في معنى الفطرة هنا، وذلك أن الفطرة: السلامة والاستقامة بدليل حديث عياض بن حمار، قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ الله تبارك وتعالى: إني خلقت عبادي حنفاء" (١) أي: على استقامة وسلامة، والحنيف في كلام العرب: المستقيم السالم (٢). وذكر الباقلاني في نقض كتاب "العمد" للجاحظ، أن المراد: أن كل مولود يولد في دار الإسلام فحكمه حكم الدار، وأنه لاحق بكونه مولودًا موجودًا بأحكام المسلمين في تولي أمره ووجوب الصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين، ومنعه من اعتقاد غير


(١) رواه مسلم (٢٨٦٥) كتاب: الجنة والنار، باب: الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، وأحمد ٤/ ١٦٢، الطبراني في "الكبير" ١٧/ ٣٦١ - ٣٦٢ (٩٩٥)، وفي "الأوسط" ٣/ ٢٠٦ (٢٩٣٣)، البيهقي ٩/ ٢٠ كتاب: السير، باب: أصل فرض الجهاد.
(٢) انظر: "التمهيد" ٦/ ٣٥٤ - ٣٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>