للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ إسحاق: فلو ترك الشارع ولم يبين لهم حكم الأطفال، لم يعرفوا المؤمن منهم من الكافر؛ لأنهم لا يدرون ما جبل كل واحد منهم عليه حين أخرج من ظهر آدم، فبين لهم حكم الطفل في الدنيا فقال: "أبواه يهودانه أو ينصرانه" يقول: إنهم لا يعرفون ما طبع عليه في الفطرة الأولى، ولكن حكم الطفل في الدنيا حكم أبويه، فأعرفوا ذلك بالأبوين، فمن كان صغيرًا بين أبوين مسلمين التحق بحكمهما.

واحتج أيضًا بحديث عائشة حين مات صبي من الأنصار بين أبوين مسلمين فقالت عائشة: طوبى له عصفور من عصافير الجنة. فرد عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مه يا عائشة، وما يدريك؟ إن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلًا، وخلق النار وخلق لها أهلًا" (١).

قَالَ إسحاق: فهذا الأصل الذي نعتمده ويعتمد عليه أهل العلم. قَالَ أبو عمر: وقول إسحاق: إن الفطرة المعرفة (٢)، فلا يخلو من أن يكون أراد بقوله أن الله تعالى خلق الأطفال وأخرجهم من بطون أمهاتهم؛ ليعرف منهم العارف ويعترف فيؤمن، وينكر منهم المنكر ما يعرف فيكفر، وذلك كله قد سبق به لهم قضاء الله وتقدم فيه علمه، ثم يصيرون إليه، فتصح منهم المعرفة والإيمان والكفر والجحود، وذلك عند التمييز والإدراك. فذلك ما قلنا، أو أراد أن الطفل يولد عارفًا مقرًا مؤمنًا أو عارفًا جاحدًا منكرًا كافرًا في حين ولادته، فهذا ما يكذبه العيان والعقل، ولا أعلم أصح من الذي بدأنا به.


(١) رواه مسلم (٢٦٦٢) كتاب: القدر، باب: معنى كل مولود يولد على الفطرة، وأبو داود (٤٧١٣) كتاب: السنة، باب: في ذراري المشركين، والنسائي ٤/ ٥٧ كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على الصبيان، وابن ماجة (٨٢) في المقدمة، باب: في القدر، وأحمد ٦/ ٢٠٨.
(٢) كذا بالأصل، وتتمة قول إسحاق: والإنكار والكفر والإيمان، "التمهيد" ٦/ ٣٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>