للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وروى سعيد بن جبير قَالَ: مات رجل يهودي له ابن مسلم، فذكر ذلك لابن عباس فقال: كان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح مادام حيًّا، فإذا مات وكله إلى شأنه ثم قرأ {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} الآية [التوبة: ١١٤] (١).

وقال النخعي: توفيت أم الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وهي نصرانية فاتبعها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكرمة للحارث، ولم يصلوا عليها. ثم فرض على جميع الأمة أن لا يدعى لمشرك ولا يستغفر له إذا ماتوا على شركهم. وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية [التوبة: ١١٣] وقد بيّن الله تعالى عذر إبراهيم في استغفاره لأبيه. فقال: {إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: ١١٤] فدعا له وهو يرجو إنابته ورجوعه إلى الإيمان، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه.

ففي هذا من الفقه، أنه جائز أن يدعى لكل من يرجى من الكفار إنابته بالهداية مادام حيًّا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إذ شمته أحد المنافقين واليهود قَالَ: "يهديكُم الله ويُصْلِح بالكم" (٢) وقد يعمل الرجل بعمل أهل النار ويختم له بعمل أهل الجنة.

وفيه: تصحيح القول بدليل الخطاب لاستعمال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أن إخباره تعالى أنه لا يغفر له، ولو استغفر سبعين مرة، يحتمل أنه


(١) رواه ابن أبي شيبة ٣/ ٣٤ - ٣٥ (١١٨٤٦)، (١١٨٤٨) كتاب: الجنائز، باب: في الرجل يموت له القرابة المشرك يحضره أم لا؟ وابن المنذر ٥/ ٣٤٢.
(٢) رواه الترمذي (٢٧٣٩) كتاب: الأدب، باب: ما جاء كيف تشميت العاطس، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" ٤/ ٣٠٢ كلاهما من حديث أبي موسى، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

<<  <  ج: ص:  >  >>