ثالثها: أنه كان في زمانه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ لأنه كان زمان ينطقهم الله فيه بالحكمة ويجريها على ألسنتهم، وأما الآن فلا، إلا أن يثني أهل العداله.
وقيل: إن حديث أنس يجري مجرى الغيبة في الأحياء، وإن كان
الرجل أغلب أحواله الخير وقد يكون منه الغلبة، فالاغتياب له محرم، وإن كان فاسقًا معلنًا فلا غيبة فيه، فكذلك الميت، إذا كان أغلب أحواله الخير لم يجز ذكر ما فيه من شرٍّ ولا سبه به، وإن كان أغلب أحواله الشر فيباح ذكره منه، وليس ذلك مما نهي عنه من سب الأموات، ويؤيد ذلك إجماع أهل العلم من ذكر الكذابين وتجريح المجروحين.
وقيل: إن حديث: "لا تسبوا الأموات" عام وحديث: "أمسكوا عن ذي قبر" يحتمل أن يكون أباح ذكر الميت بما فيه من غالب الشر عند موته خاصة؛ ليتعظ بذلك فُسَّاق الأحياء، فإذا صار في قبره أمسك عنه، لإفضائه إلى ما قدم، فإن اعترض على التجريح بأن الضرورة دعت إلى ذلك حياطة لحديثه، فيقال له: هو مثل الذي غلب عليه الفسق، فوجب ذكر فسقه تحذيرًا من حاله، وهو من هذا الباب ومثله مما لا اعتراض له فيه ذكره - صلى الله عليه وسلم - للذي لم يعمل حسنة قط وهو مؤمن فبذلك غفر له، فذكره بقبيح عمله إذ كان الغالب على عمله الشر، لكنه انتفع بخشية الله تعالى.
وهل يشترط أن يكون ثناؤهم مطابقًا لأفعاله، فيه احتمالان. وقال القرطبي: يحتمل أن يكون النهي عن سب الموتى متأخرًا عن هذا الحديث فيكون ناسخًا (١).