قَالَ الداودي: معنى هذا الحديث عند الفقهاء: إذا أثنى عليه أهل الفضل والصدق؛ لأن الفسقة قد يثنون على الفاسق فلا يدخلون في معنى هذا الحديث، والمراد -والله أعلم-: إذا كان المثني بالشر ممن ليس له بعدو؛ لأنه قد يكون للرجل الصالح العدو، فإذا مات عدوه ذكر عند ذلك الرجل الصالح شرًّا، فلا يدخل الميت في معنى هذا الحديث؛ لأن شهادته كانت لا تجوز عليه في الدنيا وإن كان عدلًا للعداوة؛ والبشر غير معصومين.
رابعها:
حديث أنس لم يشترط في الذين أثنوا عددًا من الناس لا يجزئ أقل منهم، بخلاف حديث عمر، وأحال في ذلك - صلى الله عليه وسلم - ما يغلب على الرجل بعد موته عند جملة من الناس من ثناء الخير والشر، وأنه المحكوم له به في الآخرة، وقد جاء بيان هذا في حديث آخر:"إن الله -عز وجل- إِذَا أَحَبَّ عبْدًا أمر الملائكةَ أن تُناديَ في السماء: ألا أنَّ الله يُحِبُّ فُلَانًا فأحبوه. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُجعلُ لَهُ القَبُولُ فِي أهلِ الأَرْضِ، وإذا أبغض عبدًا كذلك"(١) فهذا معنى قوله: "أنتم شهداء الله في الأرض"؛ لأن المحبة والبغضة من عنده تعالى، ويشهد لصحة هذا قوله تعالى:{وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي}[طه: ٣٩]
فإن قلت: فهذا المعنى مخالف لحديث عمر؛ لأنه شرط فيه أربعة شهداء أو ثلاثة أو اثنين بخلاف الأول. قيل: ليس كما توهمت، وإنما اختلف العددان؛ لاختلاف المعنيين وذلك أن الثناء قد يكون بالسماع
(١) سيأتي برقم (٣٢٠٩) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة.