وفيه: أن من بحث رسولًا في حاجة مهمة، له أن يسأل الرسول قبل وصوله إليه، وقبل أدائه الرسالة عليه، ولا يعد ذلك من قلة الصبر، ولا يذم فاعله، بل هو من الحرص على الخير؛ لقوله لابنه وهو مقبل: ما لديك؟
وفيه: أن الخليفة مباح له أن لا يستخلف على المسلمين غيره، اقتداء بالشارع صريحًا، وأن للإمام أن يترك الأمر شورى بين الأمة، إذا علم أن في الناس بعده من يحسن الاختيار للأمة.
وفيه: إنصاف عمر وإقراره بفضل أصحابه.
وفيه: أن المدح في الوجه بالحق لا يذم المادح به؛ لأن عمر لم ينه الأنصاري حين ذكر فضائله، فبان بهذا أن المدح في الوجه المنهي عنه، إنما هو المدح بالباطل.
وقوله:(لا أعلم أحدًا أحق بهذا من هؤلاء النفر) إنما لم يذكر أبا عبيدة؛ لأنه كان قد مات، وسعيد بن زيد كان غائبًا. وقال بعضهم: لم يذكره؛ لأنه كان قريبه وصهره، ففعل كما فعل مع عبد الله بن عمر.
وفيه: أن الرجل الفاضل ينبغي له أن يخاف على نفسه، ولا يثق بعمله، ويكون الغالب عليه الخشية، ويصغر نفسه؛ لقوله:(ليتنى يا ابن أخي وذلك كفافًا) وقد سُئِلَتَ عائشة عن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}[المؤمنون: ٦٠]، فقالت: هم الذين يعملون الأعمال الصالحة، ويخافون أن لا تتقبل منهم (١). وعلى هذا مضى خيار السلف، كانوا من عبادة ربهم بالغاية القصوى ويعدون أنفسهم
(١) رواه الطبري في "تفسيره" ٩/ ٢٢٥ (٢٥٥٥٨)، وذكره البغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ٤٢١.