للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإذا كان ذلك فرض الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فمعلوم أن الكنز من المال -وإن بلغ الوفاء- إذا أديت زكاته فليس بكنز، ولا يحرم على صاحبه اكتنازه؛ لأنه لم يتوعد الله تعالى عليه بالعقاب، وإنما توعد على كل ما لم يؤد زكاته، وليس في القرآن بيان كم ذلك القدر من الذهب والفضة إذا جمع بعضه إلى بعض استحق جامعه الوعيد. فكان معلومًا أن بيان ذلك إنما يؤخذ من وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو ما بيناه أنه المال الذي لم يؤد حق الله منه من الزكاة دون غيره من المال.

وإنما كتب معاوية إلى عثمان يشكو أبا ذر؛ لأنه كان كثير الاعتراض عليه والمنازعة له، فوقع في جيشه تشتيت من ميل بعضهم إلى قول أبي ذر فلذلك أقدمه عثمان إلى المدينة إذ خشي الفتنة في الشام ببقائه؛ لأنه كان رجلًا شديدًا لا يخاف في الله لومة لائم. وكان هذا توقيرًا من معاوية لأبي ذر. كتب إلى عثمان لا على أن يستجليه، وصانه معاوية من أن يخرجه فيكون عليه وصمة، وذكر الطبري أنه حين كثر الناس عليه بالمدينة يسألونه عن سبب خروجه من الشام خشي عثمان من التشتيت بالمدينة ما خشيه معاوية بالشام، فقال له: تنح قريبًا. قَالَ له: إني والله لن أدع ما كنت أقوله (١).

ففيه من الفقه: أنه جائز للإنسان الأخذ بالشدة في الأمر بالمعروف وإن أدى ذلك إلى فراق وطنه.

وفيه: أنه جائز للإمام أن يخرج من توقع ببقائه فتنة بين الناس.

وفيه: ترك الخروج على الأئمة والانقياد لهم، وإن كان الصواب في خلافهم.


(١) "تاريخ الطبري" ٢/ ٦١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>