للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيه شيئًا، وهذِه الترجمة هي حديثٌ ذكر المصنف بعضه في الطهارة فقال: باب: لا يقبل الله صلاة بغير طهور. وهذا آخره: "ولا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ". وقد تكلمنا عليه هناك (١). واعترض الداودي فقال: لو نزع هذا بقوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: ٢٦٧] وقال في الذي قبله: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} [البقرة: ٢٦٤] فقد قَالَ كذلك.

وقال ابن المنير: إن قَلتَ: ما وجه الجمع بين الترجمة والآية؟ وهلا ذكر قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قلتُ: جرى على عادته في إيثار الاستنباط الخفي والاتكال في الاستدلال الجلي على سبق الأفهام له.

ووجه الاستنباط يحتمل أن الآية فيها إثبات الصدقة، غير أن الصدقة لما تبعها سيئة الأذى بطلت، فالغلول: غصب إذًا فيقارن الصدقة فتبطل بطريق الأولى، أو لأنه جعل المعصية اللاحقة للطاعة بعد تقررها، وهي الأذى تبطل الطاعة، فكيف إذا كانت الصدقة عين المعصية؛ لأن الغال في دفعه المال للفقير غاصب يتصرف في ملك الغير، فكيف تقع المعصية من أول أمرها طاعة معتبرة، وقد أبطلت المعصية المحققة من أول أمرها في الصدقة المتيقنة بالأذى، وهذا من لطيف الاستنباط (٢).

وقوله تعالى: ({وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى}) [البقرة: ٢٦٣] قَالَ الضحاك: يقول: إن تمسك مالك خير من أن تنفقه ثم تتبعه منًّا وأذى (٣) {وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} أي: غني عن خلقه في سلطانه، حليم عن سيئ فعالهم.


(١) راجع شرح حديث (١٣٥).
(٢) "المتواري" ص ١٢٣ - ١٢٤.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٦٤ (٦٠٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>