وهذا التأويل كما قال ابن جرير تسقط معه فائدة الحديث؛ لأن نهيه أن يجمع بين متفرق وعكسه إنما أراد به لا يجمع أرباب المواشي ولا المصدق بين المواشي المفترقة بافتراق الأوقات، ولا يفرق بين المواشي المجتمعة بخلط أربابها بينها، وأراد - صلى الله عليه وسلم - إقرار الأموال المختلطة والمفترقة على ما كانت عليه قبل لحوق الساعي، ولا يتحيل بإسقاط صدقة بتفريق ولا جمع، ولو كان تفريقها مثل جمعها في الحكم، ما أفاد ذَلِكَ فائدة ولا نهى عنه، وإنما نهى عن أمر لو فعله كانت فيه فائدة قبل النهي عنه، ولولا أن ذَلِكَ معناه لما كان لتراجع الخليطين بالسوية بينهما معنى معقول؛ لأنهما إذا كانا يصدقان وهما خليطان صدقة المفردين لم يجب لأحدهما قِبَل صاحبه، بسبب ما أخذ فيه من الصدقة تباعة فلا يجوز أن يخاطب أمته خطابًا لا يفيدهم، وفي أمره - صلى الله عليه وسلم - الخليطين بالتراجع بينهما بالسّوية كما سيأتي صحة القول بأن صدقة الخلطاء صدقة الواحد، ولولا ذَلِكَ ما انتفعا بالخلطة. والتراجع مقتضاه من اثنين وهذا لا يجيء على مذهبه بوجه.
وعند الشافعي للخلطة شروط محل الخوض فيها كتب الفروع، وكذا عند المالكية، وفي الدارقطني من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا:"لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي". وفيه ابن لهيعة وحالته معروفة (١).
(١) "سنن الدارقطني" ٢/ ١٠٤ كتاب: الزكاة، باب: تفسير الخليطين وما جاء في الزكاة على الخليطين.