للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لم يستقر به فيها، حتى ظهرت رؤوس الفتنة من كل جانب وحامت حوله الأقاويل والدسائس، مما اضطره إلى العودة إلى بخاري، غير أن حظه فيها لم يكن أحسن منه بنيسابور، حيث وقعت الجفوة بينه وبين أميرها، بسبب طلبه أن يحمل إليه الصحيح والتاريخ، وجواب البخاري الذي اعتبر طلب الأمير إذلالا للعلم والعلماء، مما يؤكد اعتزازه الشديد بنفسه، واحترامه لعلمه وشخصيته.

روى ابن عدي قال: سمعت عبد القدوس بن عبد الجبار يقول: خرج البخاري إلى "خَرْتَنْك" وكان له بها أقرباء فنزل عندهم. ولعل البخاري قصد قرية بيكند أولًا، ثم انتهى به المطاف إلى خَرْتَنْك، وهي قرية كانت على فرسخين من سمرقند.

يقول عبد القدوس بن عبد الجبار: سمعت البخاري ليلة من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يقول في دعائه:"اللهم قد ضاقت علي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك" قال: "فما تم الشهر حتى قبضه الله".

ويروي وراق البخاري يقول: سمعت غالبًا بن جبريل وهو الذي نزل عليه البخاري بخرتنك يقول: "إنه أقام أيامًا فمرض، حتى وجه إليه رسول من أهل سمرقند، يلتمسون منه الخروج إليهم، فأجاب وتهيأ للركوب ولبس خفيه، ولما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها إلى الدابة ليركبها وأنا آخذ بعضده قال: "أرسلوني فقد ضعفت" (١).

فأرسلناه فدعى بدعوات، ثم اضطجع فقضى، ثم سأل منه عرق كثير، وكان قد قال لنا: كفنوني في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة. قال: ففعلنا فلما أدرجناه في أكفانه وصلينا عليه،


(١) "هدي الساري" ص ٤٩٤.