وقال آخرون: بل أحرم حين أظل البيداء. وقال من خالفهم: قد يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم منها، لا لأنه قصد أن يكون إحرامه منها لفضل في الإحرام منها على الإحرام مما سواها، وقد رأيناه فعل في حجه أشياء في مواضع لا لفضلها: كنزوله بالمحصب من منى، لم يكن ذَلِكَ لأنه سنة، فكذلك أحرم حين صار على البيداء، لا لأن ذَلِكَ سنة، وقد أنكر قوم أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحرم من ذَلِكَ، وقد أسلفنا ذَلِكَ من رواية ابن عمر، وإنما كان ذَلِكَ بعدما ركب راحلته.
واحتجوا بحديث نافع عن ابن عمر السالف في الخصال الأربع.
ووجه الاختلاف في ذَلِكَ:
ما رواه ابن إسحاق قال: حَدَّثَني خصيف، عن سعيد بن جبير قال: قُلْتُ لابن عباس: عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إهلاله فقال: إني لأعلم الناس بذلك، إنما كانت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة واحدة، فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجًّا فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه، وأهل بالحج حين فرغ من ركعته، فسمع ذَلِكَ منه أقوام فحفظوه عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل، وأدرك ذَلِكَ منه أقوام لم يشهدوه في المرة الأولى؛ لأن الناس كانوا يأتون أرسالًا فسمعوه حين ذاك يهل فقالوا: إنما أهل حين استقلت به ناقته، ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما علا شرف البيداء أهل، وأدرك ذَلِكَ منه أقوام لم يشهدوه في المرتين، فنقل كل واحد منهم ما سمع، فإنما كان إهلاله في مصلاه وايم الله، ثم أهل ثانيًا ثم ثالثًا.