مكة، يوضحه قوله - عليه السلام -: "إن الله حرم مكة"(١). أفلا ترى أنه قصد بالحرمة إلى مكة دون ما سواها، فدل ذلك أن سائر الناس سوى أهلها في حرمة دخولهم إياها سواء، فثبت بذلك قول ابن عباس، وفي ثبوت ذلك ما يجب به أن حاضري المسجد الحرام هم أهل مكة خاصة، كما قال نافع والأعرج، لا كما قال أبو حنيفة وأصحابه. ومن الحجة لمالك: أنهم أهل القرية التي فيها المسجد، وليس أهل الحرم كذلك؛ لأنه لو كان كذلك لما جاز لأهل مكة إذا أرادوا سفرًا أن يقصروا حتى يخرجوا عن الحرم كله، فلما جاز لهم القصر إذا خرجوا عن بيوت مكة، دل ذلك على أن حاضري المسجد هم أهل مكة دون الحرم. وأما قول من قال: من كان أهله دون المواقيت، فإن المواقيت ليس من هذا الباب في شيء؛ لأنها لم تجعل للناس؛ لأنها حاضرة المسجد الحرام، ألا ترى أن بعض المواقيت بينها وبين مكة مسيرة ثمان ليال، وبعضها ليلتين، فيكون من كان دون ذي الحليفة حاضري المسجد الحرام، وبينه وبين مكة ثمان ليال، ومن كان منزله من وراء قرن بما يلي نجدًا لا يكون من حاضريه، وإنما بينه وبينها مسيرة ليلتين، وبعض أخرى، وإنما الحاضر للشيء من كان معه، ويجعل من هو أبعد حاضرًا، ومن هو أقرب ليس بحاضر. وأيضًا فقوله تعالى:{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ}[الفتح: ٢٥] دال أنه المسجد الحرام بعينه، والصد إنما وقع عنه وعن البيت، فأما الحرم فلم يكن ممنوعًا منه؛ لأن الحديبية تلي الحرم، وهذا قاطع، قاله طاوس ومجاهد.
(١) سيأتي برقم (١٨٣٣) من حديث ابن عباس كتاب: جزاء الصيد، باب: لا ينفر صيد الحرم.