للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما قول ابن عباس في التمتع: فإن الله أنزله في كتابه وسنة نبيه، وأباحه للناس، غير أهل مكة، فإن مذهبه أن أهل مكة لا متعة لهم، وذلك -والله أعلم- لأن العمرة لا بد في الإحرام بها الخروج إلى الحل، ومن كان من أهل مكة فهي داره لا يمكنه الخروج عنها، وهي ميقاته للحج، وقد صرح بذلك ابن عباس فقال: يا أهل مكة، لا متعة لكم، إنما يجعل أحدكم بينه وبين مكة بطنًا واحدًا ويهل (١). وهذا مذهب أبي حنيفة، وأصحابه قالوا: ليس لأهل مكة تمتع ولا قران، فإن فعلوا فعليهم الدم، كما سلف (٢).

وأوجب ابن الماجشون الدم للقران دون التمتع (٣)، واعتل بأن القارن، قارن من حيثما حج، والمتمتع إنما هو المعتمر من بلده في أشهر الحج، المقيم بمكة حتى يحج، ومن كان من أهلها، فهي داره لا يمكنه الخروج منها إلى غير داره، وقد وضع الله ذلك عنه، ولم يذكر القارن وهو خطأ؛ لأنه إذا أجاز التمتع لأهل مكة فقد أجاز لهم القران، إذ لا فرق بينهما، واحتج أبو حنيفة بأن الاستثناء عنده في الآية راجع إلى الجملة، لا إلى الدم، قال: ولو رجع إلى الدم لقال ذلك على من لم يكن أهله. وقول القائل: لفلان كذا، يفيد نفي الإيجاب عليه، ولهذا لا يقال له الصلاة والصوم، وإنما يقال عليه الصلاة والصوم. واحتج لمالك بقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ} [البقرة: ١٩٦] لفظه يقتضي إباحة التمتع، ثم علق عليه حكمًا وهو الهدي، ثم استثنى في آخرها أهل مكة، والاستثناء إذا وقع بعد فعل علق عليه


(١) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٦٥ (٣٥٠٩).
(٢) سبق تخريج قولهم.
(٣) "الاستذكار" ١١/ ٢١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>