للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ربي (١). فمحمولان أيضًا على الندب، والمبالغة في الحياء والستر، وكل هذا أسلفناه هناك، وأعدناه لبعد العهد به.

ثم أعلم أن الرب جل جلاله ذكر فضل مكة في غير موضع من كتابه، ومن أعظم فضلها أنه جل جلاله فرض على عباده حجها، وألزمهم قصدها، أو لم يقبل من أحد صلاة إلا باستقبالها، وهي قبلة أهل دينه أحياءً وأمواتًا. وفي حديث عائشة معرفة بنيان قريش للكعبة، وقد بناها إبراهيم قبل ذلك، وبنته الملائكة قبل آدم، وحجه آدم ثم الأنبياء، ما من نبي إلا حجه، وفي "الروض" أول من بناه شيث، وكانت قبل أن يبنيها خيمة من ياقوتة حمراء، يطوف بها آدم ويأنس بها؛ لأنها أنزلت من الجنة (٢)، وقيل: إنه بني في أيام جرهم مرة أو مرتين؛ لأن السيل كان قد صدَّعَ حائطه. قال: وقيل: لم يكن بنيانًا إنما كان إصلاحًا لما وَهى منه، وجدارًا بني بينه وبين السيل، بناه عامر الجادر.

وفي "أنساب الزبير": لما بني قصي الكعبة بنيانًا لم يَبْنِ مثله أحد؛ ذكر شعرًا، وبناها عبد الله بن الزبير لما كانت عائشة ترويه؛ ولأنه لما نصب عليها المنجنيق الحصين بن بشر وهت جدرانها، وقيل: بل طارت شررة من مجمره في أستارها فاحترقت، فلمَّا أمر عبد الملك بهدمها وبناها الحجاج على البناء الأوَّل، أخبر عبدَ الملك أبو سلمة وغيره عن عائشة ما كان عمدة ابن الزبير في هدمها، فندم لذلك، وقال: ليتنا تركناه وما تولى، فلمَّا ولي أبو جعفر أراد أن يهدمها ويردها إلى بناء ابن الزبير، فناشده مالك في ذلك فتركه، وفي


(١) رواه ابن سعد في "طبقاته" ٤/ ١١٤، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" ٢/ ٨٢٩ - ٨٣٠ (٨٢٩)، وأبو نعيم في "الحلية" ١/ ٢٦٠.
(٢) "الروض الأنف" ١/ ٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>