الثالث: حديث ابن عمر: مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ مُنْذ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُهُمَا.
واعترض الإسماعيلي فقال: هذا الحديث ليس من هذا الباب في شيء. قلتُ: لا فإن مشيه بين الركنين يؤذن أنه يرمل فيما عداه، وقد أسلفنا اختلاف العلماء في مشروعية الرمل الآن، ونقلنا أن المشهور عن المالكية أنه لا دم بتركه، وهو المشهور عن ابن عباس، وبه قَالَ عطاء وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وبوجوبه قَالَ الحسن والثوري. قَالَ ابن القاسم: ورجع عنه مالك (١).
وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وابن القاسم أن عليه الدم في قليل ذَلِكَ وكثيره. واحتج بقول ابن عباس: من ترك من نسكه شيئًا فعليه دم، وفيه نظر؛ لأن المشهور عن ابن عباس أن من شاء
رمل، ومن شاء لم يرمل، ومذهبه أنه لا شيء عليه في تركه.
وقال الطبري: قد ثبت أن الشارع رمل، ولا مُشرك يومئذٍ بمكة يراءى الرمل، فكان معلومًا أنه من مناسك الحج، غير أنا لا نرى عَلَى من تركه عامدًا ولا ساهيًا قضاءً ولا فدية؛ لأن من تركه فليس بتارك لعمل، وإنما هو تارك منه لهيئة وصفة كالتلبية التي فيها الحج، ورفع الصوت، فإن خفض صوته بها كان غير مضيع لها ولا تاركها، وإنما ضيع صفة من صفاتها، ولا شيء عليه.