للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابن بطال: قوله: ثم لم تكن عمرة يعني: أنه - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت، ثم لم يحل من حجه بعمرة من أجل الهدي، وكذلك أبو بكر وعمر افردا الحج، وقال ابن المنذر: سنَّ الشارع للقادمين المحرمين بالحج تعجيل الطواف، والسعي بين الصفا والمروة عند دخولهم، وفعل هو ذَلِكَ عَلَى ما روته عائشة وأمر من حل من أصحابه أن يحرموا إذا انطلقوا إلى منى، فإذا أحرم من هو منطلق إلى منى، فغير جائز أن يكون طائفًا وهو منطلق إلى منى. فدل هذا الحديث عَلَى أن من أحرم من مكة من أهلها أو غيرهم أن يؤخروا طوافهم وسعيهم إلى يوم النحر، بخلاف فعل القادمين؛ لتفريق السنة بين الفريقين، وأيضًا فإن هذا هو طواف القدوم، وليس من إنشاء الحج من مكة، واردًا بحجه عليها، فسقط بذلك عنهم تعجيله.

وكان ابن عباس يقول: يا أهل مكة، إنما طوافكم بالبيت وبين الصفا والمروة يوم النحر، وأما أهل الأمصار فإذا قدموا، وكان يقول: لا أرى لأهل مكة أن يحرموا بالحج حَتَّى يخرجوا، ولا أن يطوفوا بين الصفا والمروة حَتَّى يرجعوا، هذا قول ابن عمر وجابر. وقالوا: من أنشا الحج من مكة فحكمه حكم أهل مكة.

قَالَ ابن المنذر: هذا قول مالك وأهل المدينة وطاوس، وبه قَالَ أحمد وإسحاق، واختلف قول مالك فيمن طاف وسعى قبل خروجه، فكان يقول: يعيد إذا رجع ولا يجزئه طوافه الأول ولا سعيه، وقال أيضًا: إن رجع إلى بلاده قبل أن يعيد فعليه دم (١)، ورخصت طائفة في ذَلِكَ، ورأت المكي ومن دخل مكة إن طافا وسعيا قبل خروجهما، أن ذَلِكَ جائز، هذا قول عطاء والشافعي، غير أن عطاء كان يرى


(١) "المدونة" ١/ ٣٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>