للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحدها: فيه من الفقه:

أن لحم الصيد حلال أكله للمحرم إذا لم يصده أو لم يصد من أجله وصاده حلال، وفي ذَلِكَ دليل أن قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} أن معناه: الاصطياد، وقتل الصيد وأكله لمن صاده، وإن لم يصده فليس ممن عني بالآية يبينه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}؛ لأن هذِه إنما نهى فيها عن قتله واصطياده لا غير، وهذِه مسألة اختلف فيها السلف قديمًا، فذهبت طائفة إلى أنه يجوز للمحرم أكل ما صاده الحلال، روي عن عمر وعثمان والزبير وعائشة وأبي هريرة، وإليه ذهب الكوفيون وذهبت طائفة إلى أن ما صاده الحلال للمحرم أو من أجله فلا يجوز له أكله، وما لم يصد له فلا بأس بأكله، وهو الصحيح عن عثمان، وروي عن عطاء (١)، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود.

قال أبو عمر: وهو أعدل المذاهب وأولاها، وعليه يصح استعمال الأحاديث وتحريمها، وفيه مع ذَلِكَ نص حسن (٢) -يعني: حديث جابر الآتي (٣) - وذكر ابن القصار أن المحرم إذا أكل ما صيد من أجله فعليه الجزاء استحسانًا لا قياسًا، وعند أبي حنيفة والشافعي: لا جزاء عليه.

واحتج الكوفيون بقوله - عليه السلام - للمحرمين: "كلوا" قالوا: فقد علمنا أن أبا قتادة لم يصده في وقت ما صاده، إرادة منه أن يكون له خاصة، وإنما أراد أن يكون له ولأصحابه الذين كانوا معه، وقد أباح ذَلِكَ له ولهم، ولم يحرمه؛ لإرادته أن يكون لهم معه، وقواه الطحاوي بإجماعهم أن الصيد لحرمة الإحرام على المحرم، ولحرمة الحرم على الحلال، وكان


(١) "شرح ابن بطال" ٤/ ٤٨٣.
(٢) انظر: "الاستذكار" ١١/ ٣٠٤.
(٣) سيأتي تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>