للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثها؛ لا يجوز قطع أغصان شجر مكة التي أنشأها الله فيها مما لا صنع فيه لبني آدم، وإذا لم يجز قطع أغصانها فقطع شجرها أولى بالنهي، وقام الإجماع -كما قال ابن المنذر- على تحريم قطع شجر الحرم (١)، واختلفوا فيما يجب على قاطعها، فذهب مالك: لا شيء عليه غير الاستغفار، وهو مذهب عطاء، وبه قال أبو ثور، وذكر الطبري عن عمر مثل معناه. وقال الشافعي: عليه الجزاء في الجميع المحرم في ذَلِكَ والحلال سواء، في الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة، وفي الخشب وما أشبهه قيمته ما بلغت دمًا كان أو طعامًا، وحكى بعض أصحاب الشافعي أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة فيما أنبته الآدمي، ذكره ابن القصار، وهو قول صاحبيه أيضًا، إن قطع ما أنبته الآدمي فلا شيء عليه، وإن قطع ما أنبته الله تعالى كان عليه الجزاء حلالًا كان أو محرمًا، فإن بلغ هديًا كان هديًا وإلا قُوم طعامًا فأطعم كل مسكين نصف صاع، لا جرم حكى بعضهم عن الكوفيين أن فيها قيمتها، والمحرم والحلال فيه سواء (٢).

قال ابن المنذر: ليس في ذَلِكَ دلالة من كتاب ولا سنة ولا إجماع، وأقول كما قال مالك، واحتج الموجب بالحديث: "لا يعضد بها شجرة"، وهو نهي تحريم فيجب فيه الجزاء كالصيد، ويجاب بأن النهي عن قطعه لا يدل على وجوب الجزاء كالنهي عن تنفير الصيد والإشارة والمعاونة عليه؛ فقد روي أن عمر بن الخطاب رأى رجلًا يقطع من


(١) "الإجماع" ص ٧٧.
(٢) انظر: "مختصر الطحاوي" ص ٦٩، "الهداية" ١/ ١٩٠، "التفريع" ١/ ٣٣١، "عيون المجالس" ٢/ ٨٨٠ - ٨٨٢، "روضة الطالبين" ٣/ ١٦٧، "المجموع" ٧/ ٤٥٠، "المقنع" ص ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>