للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأوجب القصاص أمرًا مطلقًا ولم يخص به مكانًا دون مكان (١).

فإقامة الحدود تجب في كل مكان على ظاهر الكتاب، ومما يشهد لذلك أمر الشارع بقتل الفواسق المؤذية في الحرم؛ فقام الدليل من هذا أن كل فاسق استعاذ بالحرم أنه يقتل بجريرته ويؤخذ بقصاص جرمه.

قال إسماعيل بن إسحاق: وقد أنزل الله تعالى الحدود والأحكام على العموم بين الناس، فلا يجوز أن يترك حكم الله تعالى في حرم ولا غيره؛ لأن الذي حرم الحرم هو الذي حرم معاصيه أن ترتكب وأوجب فيها من الأحكام ما أوجب، وسيكون لنا عودة إلى ذَلِكَ في الديات، وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة، وزفر، وأبي يوسف، ومحمد كقول ابن عباس إلا أنهم يجعلون ذَلِكَ أمانًا في كل حد يأتي على النفس من الحدود مثل أن يزني وهو محصن، أو يرتد، أو يقتل عمدًا، أو يقطع طريقًا فيجب عليه القتل فيلجأ إلى الحرم فيدخله، ولا يجعلون ذَلِكَ على الحدود التي لا تأتي على النفس كقطع السارق، والقود في قطع الأيدي وشبهها، والتعزير الواجب بالأقوال الموجبة للعقوبات، ثم قال: ولا وجه لتفريقهم بين الحدود التي تأتي على النفس وبين التي لا تأتي عليها؛ لأن الحرم إن كان دخوله يؤمن من العقوبات في الأنفس فيؤمن فيما دونها، وإن كان لا يؤمن فيما دونها فلا يؤمن بها في الأنفس، ولم يفرق ابن عباس بين شيء من ذَلِكَ، فقوله أولى من قول أبي حنيفة وأصحابه، لا سيما ولا نعلم أحدًا من الصحابة خالفه في قوله.


(١) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص ٢/ ٣٢ - ٣٦، "المنتقى" ٣/ ٨٠، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٣٧٣، "المجموع" ٧/ ٤٦٥، "طرح التثريب" ٥/ ٧٢، "الفروع" ٦/ ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>