للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ أبو عبيد: خلف اللبن وغيره: تغير ريحه وطعمه (١)، ولم يذكر ضبطه.

ومعنى: "أَطْيَبُ": أذكى عند الله وأقرب إليه. قَالَ المازري: هذا مجاز واستعارة؛ لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طباعٌ تميل إلى شيء يستطيبه، وتنفر من شيءٍ فيتقذره، والله -سبحانه وتعالى- مقدس عن ذَلِكَ، لكن جرت عادتنا التقرب للروائح الطيبة، فاستعير ذَلِكَ في الصوم لتقريبه من اللهِ (٢).

وهل هذا الخلوف في الدنيا أو في الآخرة؟ جاء في رواية: "حين يخلف" (٣) وجاء في مسلم: "يوم القيامة" (٤) فيكون أطيب من ريح المسك جزاء وأجرًا ورضى أكثر من أجر من ندب إلى استعمال المسك.

وقال: "عِنْدَ اللهِ": يعني طيبه عند الله. يريد: في الآخِرَة أي: يجازيه يوم القيامةِ لطيب نكهته الكريهة في الدنيا حَتَّى تكون كريحِ المسكِ، والدليل عَلَى أنه أراد الآخرةَ بقوله: "عِنْدَ اللهِ" قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبّكَ} [الحج: ٤٧] يريد: أيامَ الآخرةِ. ومن هذا الباب الحديث الصحيح الآتي أنه يجازي الشهيدَ في الآخرةِ بأن يجعل رائحة دمه الكريهة في الدنيا كرائحة المسك في الآخرة (٥).


(١) "غريب الحديث" ١/ ١٩٥.
(٢) "المعلم بفوائد مسلم" للمازري ١/ ٣١٩. وكلامه من باب التأويل الذي جرت عليه عادة كثير من المتكلمين، والاشتراك في الصفة بين الخالق والمخلوق لا يلزم منه التشبيه. وانظر التعليق على هذا بالتفصيل في كتاب التوحيد من هذا الشرح.
(٣) رواها أحمد ٢/ ٤٨٠، وابن حبان ٨/ ٢١١ (٣٤٢٤) كتاب: الصوم، باب: فضل الصوم.
(٤) مسلم (١١٥١/ ١٦٣) كتاب الصيام، باب: فضل الصيام.
(٥) سيأتي برقم (٢٨٠٣) كتاب: الجهاد والسير، باب: من يجرح في سبيل الله -عز وجل-، =

<<  <  ج: ص:  >  >>