للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكل هؤلاء إنما تأولوا قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} فمن أوجب القضاء والإطعام معًا ذهب إلى أن الله تعالى حكم في تارك الصوم من غير عذر بحكمين فجعل الفدية في آية والقضاء في أخرج.

فلما لم يجد ذكر الحامل والمرضعٍ مسمًى في كل واحدة منهما جمعهما جميعا عليها احتياطا لهما وأخذا بالثقة، ومن أوجب الإطعام أطعم فقط وقال: ليس كالسفر والمرض، ولكنهما ممن كلف وطوّقه وليس بمطيق فهم من أهل الإطعام فقط؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} وهي قراءة ابن عباس وفُتْياه (١)، وقد يجوز هذا على قراءة {يُطِيقُونَهُ} أي بجهد ومشقة فيتحد معناهما، قاله غير أبي عبيد، ومن أوجب القضاء فقط ذهب إلى أن الحمل والرضاع علتان من العلل؛ ولأنه يخاف فيهما من التلف على الأنفس ما يخاف من المرض، وشاهده حديث أنس: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في إبل لجار لي أخذت فوافقته يأكل، فدعاني إلى طعامه، فقلت: إني صائم فقال: "ادنُ أخبِرُك عن ذَلِكَ أن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل والمرضع" (٢) فقرنهما بالمسافر ولا يلزمه القضاء.

وقال القاضي عياض: اختلف السلف هل هي محكمة أو مخصوصة أو منسوخة كلها أو بعضها؟ فقال الجمهور: هي منسوخة، ثم استدل بقول سلمة.

ثم اختلفوا هل بقي منها ما لم ينسخ فروي عن ابن عمر والجمهور أن حكم الإطعام باقٍ على من لم يطق الصوم لكبره، وقال جماعة من


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه باستيفاء، وأنس هذا هو أنس بن مالك رجل من بني عبد الله بن كعب، كما سلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>