برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يلقوا عليه حجرًا، فأوحى الله تعالى إليه بذلك فأمر بإجلائهم، وأن يسيروا حيث شاءوا، فلما سمع المنافقون بذلك بعثوا إلى بني النضير: اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن خرجتم خرجنا معكم. فتربصوا لذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب؛ فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجليهم ويكف عن دمائهم (١)، فأجابهم بما أسلفناه.
فإن قلت: هذا معارض بحديث المقبري، عن أبي هريرة؛ لأنَّ فيه: أنه - عليه السلام - أمرهم ببيع أرضيهم. وفي حديث ابن إسحاق: أنهم تركوا أرضهم بغير عوض، وحلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما وجه ذلك؟
فالجواب: أنه - عليه السلام - إنما أمر ببيع أرضيهم -والله أعلم- قبل أن يكونوا له حربًا، فكانوا مالكين أرضيهم، وكانت بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسالمة وموافقة للجيرة، فكان يمسك عنهم لإمساكهم عنه، ولم يكن بينهم عهد، ثم أطلعه الله تعالى على ما يؤملون من الغدر به، وقد كان أمره لهم ببيع أرضيهم وإجلائهم قبل ذلك فلم يفعلوا؛ لأجل قول المنافقين لهم السالف:: اثبتوا، فإنا لن نسلمكم. فوثقوا بقولهم وثبتوا ولم يخرجوا، وعزموا على مقاتلته، فصاروا له حربًا، فحلت بذلك دماؤهم وأموالهم، فخرج إليهم - عليه السلام - وأصحابه في السلاح وحاصروهم.
فلمَّا يئسوا من عون المنافقين ألقى الله في قلوبهم الرعب، وسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان عرضه عليهم قبل ذلك، فلم يبح لهم بيع الأرض، وقاضاهم على أن يجليهم ويتحملوا بما استثقلت به الإبل،